الصدمة التى حدثت بعد إحراق الطيار الأردنى كانت رهيبة على القلوب والعقول، لكن الصدمة الأكبر كانت فى اكتشاف أن هناك نصوصاً فقهية وأحداثاً تاريخية تبرر وتبيح، بل وبعضها يفتخر بالحرق، كما اكتشفت من قبل نصوص الذبح، هوجم من كشف عن هذه النصوص الغطاء، وكأنه هو الذى اخترعها، كانت الإجابة مش معقول أن يفعل أبوبكر الصديق، رضى الله عنه، هذه الفعلة، وهى الإحراق، ومش معقول أن يفعل خالد بن الوليد برأس مالك بن نويرة ذلك، ومش معقول أن يأمر عمرو بن العاص بإحراق محمد بن أبى بكر الصديق فى جوف حمار ميت، ومش معقول ومش معقول.. إلخ، واكتفى بعض المنتقدين بالنصيحة لمن كشفوا المسكوت عنه فى التراث، قائلين بلاش تلعبوا فى المنطقة دى!! هل ستكفى «مش معقول» لإقناع جيل صار التراث كله يأتيه فى طرفة عين بمجرد ضغطة زر على الـ«كيبورد»؟! لم يعد هناك مسكوت عنه فى التراث الدينى والتاريخى، لم يعد رجال الدين مطمئنين إلى أنهم هم الوكيل الحصرى لهذا التراث، يخرجون ويبرزون منه ما يشاءون وقتما يشاءون ويخفون منه ما يشاءون حسبما يشاءون، لم تعد كلمة «مش معقول» مقنعة، لأن النصوص التراثية التى تدعو للعنف كثيرة ومتناثرة فى بطون كتب كثيرة، لم تعد الانتقائية هى الحل، لم يعد إخفاء التراب تحت طرف السجادة بديلاً ولم تعد «مش معقول» دواء ناجعاً بل مسكناً خادعاً، وان اقتنعنا بكلمة «مش معقول» فى هذه الحادثة، ماذا نفعل فى حادث اغتيال الشاعر كعب بن الأشرف والشاعرة العصماء بنت مروان؟ وكيف نمنع تيارات الإرهاب من قتل معارضيها قياساً على قتل هذا الشاعر وتلك الشاعرة؟! لو قلنا «مش معقول» كيف سنبرر أحاديث فيها سمل عيون البعض ومنعهم من الماء بعد تركهم على حجر ملتهب أسود فى هجير الصحراء؟!! القائمة طويلة وليس حلها كلمة «مش معقول» نقولها إرضاء للنية، ونتخيل أننا قد حسمنا وحللنا المشكلة!! الحل بسيط ويحتاج لمواجهة وصدق مع النفس، وهى الاعتراف بأن هذه النصوص كانت بنت زمانها وبيئتها، ولا بد أن نتعامل معها على أنها ليست أوامر سرمدية أبدية ربانية لا نقاش فيها، وأن هناك الآن شيئاً جديداً اسمه دستور وقانون محلى وقانون دولى وقيم إنسانية مشتركة لا بد أن نخضع لها، وأن الحل فى دولة مدنية علمانية لا تنفى الدين من وجدان وحياة البشر ولكنها تلغى تحكم رجال الدين فى سياسة وقوانين الدولة، المسألة ليست كيمياء نخترعها، ولكن ببساطة، الدول لم تتقدم إلا عندما تبنت العلمانية التى هى بالمناسبة ضرورة لحماية كل الأديان بدلاً من أن تكون مخلباً لحماية دين واحد أياً كان، وفى المقابل وبنظرة سريعة على خريطة الكرة الأرضية سنعرف مصير الدول التى تحكم دينياً من الصومال إلى إيران ومن «بوكو حرام» إلى «داعش» ومن ليبيا إلى السودان!! جيل الكمبيوتر والإنترنت يقول لكم احترموا عقولنا ولا تكتفوا بمصمصة الشفاه وترديد عبارة «مش معقول»!! وإن لم تصدقوا ما يقوله القرن الحادى والعشرون بأنه لم تعد هناك أسرار واحتكارات كهنوتية فيا ريت تصدقوا أستاذ الكوميديا عبدالمنعم مدبولى عندما قال «كل شىء انكشفن وبان»!!